الجزء الخامس والتّسعون: شروط ضروريّة للالتباس

هناك ثلاثة شروط أساسيّة لحدوث الالتباس:
1. يجب اقتران عامل الالتباس بكلّ من عامل الخطر المدروس والنتيجة.
2. يجب أن يكون عامل الالتباس متوزعاً بشكل غير متكافئ بين المجموعات المقارنة.
3. لا يمكن لعامل الالتباس أن يكون خطوة وسيطة في المسار السببي من التعرّض المدروس إلى النتيجة المدروسة.
على سبيل المثال: من المعروف أنّ الاستهلاك البسيط للكحول مرتبط بانخفاض خطر الإصابة بأمراض القلب الإكليلية، ويُعتقد أنّ إحدى الآليات وراء ذلك هي رفع الكحول لمستويات HDLفي الدّم، وهو ما يُدعى بـ” الكولسترول الجيد”، ومن المعروف أيضاً أنّ المستويات المرتفعة من HDL مرتبطة بتقليل خطر الإصابة بأمراض القلب؛ وبالتالي يُعتقد أنّ استهلاك الكحول بشكل بسيط يرفع مستويات الـHDL، وهذا بدوره يقلّل من أمراض القلب الإكليليّة. في مثل هذه الحالة لا تعتبر مستويات HDL عامل التباس للترابط بين الكحول وأمراض القلب، لأنّها جزءٌ من آلية هذا التأثير المفيد. إذا كانت زيادة HDL نتيجةً لاستهلاك الكحول وجزءاً من الآلية التي تقلّل خطر الإصابة بأمراض القلب فهي ليست عامل التباس.
طالما وجدت أسباب مساهمة متعدّدة في معظم الأمراض (عوامل الخطر) فليس من المستغرب ظهور العديد من الالتباسات المحتملة.·
- يمكن لعامل الالتباس أن يكون عامل خطر آخر للمرض. على سبيل المثال: في دراسة الأتراب الافتراضية التي تبحث في العلاقة بين التمارين وأمراض القلب، شكّل العمر عامل التباسٍ لأنه عامل خطر لأمراض القلب.·
- بالمثل يمكن لعامل الالتباس أن يكون عاملاً وقائيّاً من المرض. إذا تناول ممارسو الرياضة الأسبرين بانتظام أكثر، والأسبرين يقلّل من خطر الإصابة بأمراض القلب، فإنّ استخدام الأسبرين سيكون عامل التباسٍ يدعم فائدة ممارسة الرياضة.·
- يمكن لعامل الالتباس أن يكون بديلاً أو علامةً لسبب آخر للمرض. على سبيل المثال: قد يكون الوضع الاجتماعي والاقتصادي عامل التباسٍ في هذا المثال لأنّ الحالة الاجتماعية والاقتصادية المتدنّية هي علامة لمجموعة معقدة من العوامل غير المفهومة، والتي يبدو أنها تُخفي وراءها خطرًا أكبر لأمراض القلب.
نتيجة لذلك قد تتواجد العديد من عوامل الالتباس المحتملة والتي قد تؤثّر على الترابط. على سبيل المثال: في دراسة الترابط بين التمارين وأمراض القلب قد تشتمل الالتباسات المحتملة الأخرى على العمر، والنّظام الغذائي، وحالة التدخين، وعوامل خطر أخرى متنوعة متوزعة بشكل متباين بين المجموعات المقارَنة.
بصرف النظر عن الخمول البدني؛ قد يكون الأشخاص الكسولين أكثر أُهبة للتّدخين، وارتفاع ضغط الدم، والسكري، واستهلاك الوجبات الغذائية عالية الدّهون؛ والّتي بدورها تتسبب بزيادة خطر الإصابة بأمراض القلب الإكليلية. من ناحية أخرى قد يكون الذكور أو أولئك الّذين عندهم سوابق عائليّة لأمراض القلب أكثر أُهبة للذهاب إلى صالة الألعاب الرياضية بانتظام (النشيطين)؛ أي العوامل التي قد تزيد الخطر عند الأشخاص النشطين.
نتيجة لذلك قد تظهر العديد من عوامل التباسٍ تحرف تقدير الترابط باتجاهٍ أو بآخر.
سؤال: انتشرت ظاهرة التنقيب عن الأسبستوس المحليّ في ولاياتٍ عديدة خلال معظم القرن العشرين، حيث يوجد 60 منجماً سابقاً للأسبستوز شرقَ الولايات المتحدة فقط، وحدثت أكبر العمليات في أريزونا، وكارولاينا الشماليّة، وفيرمونت، وكاليفورنيا. تعرّض الرجال الّذي عملوا في المناجم المحليّة للأسبستوز المعروف بزيادته لخطر حدوث سرطان الرئة.
كما هو معروف، يُشكّل التدخين عامل خطر لحدوث سرطان الرئة، ومعروف أيضاً ميل عمّال المناجم إلى تدخين المزيد من السجائر بسبب الإجهاد الّذي يتعرّضون له، وخاصة عند العمل تحت الأرض.
هل العبارة التالية صحيحة أم خاطئة؟
يمكن أن يُشكّل التنقيب عن الأسبستوز عاملَ التباسٍ للعلاقة بين تدخين السجائر وسرطان الرئة
.a) صحيح
b) خطأ
في حين يرتبط التدخين بسرطان الرئة؛ يرتبط التنقيب بكلّ من عامل الخطر المدروس (التدخين) والنتيجة (سرطان الرئة). يتوزّع عامل الالتباس هذا بشكلٍ غير متكافئٍ بين المجموعات المُقارنة (المدخنين وغير المدخنين)، حيث سيكون هناك مقدارٌ أكبر من عمّال التنقيب المتعرّضين للأسبستوز في مجموعة المدخنين مقارنةً بغير المدخنين. لا يُشكل التنقيب عن الأسبستوز مرحلةً وسيطة في المسار السببي الطبيعي (لا يؤدي تدخين السجائر إلى التعرّض للأسبستوز والّي يؤدي بدوره إلى حدوث سرطان الرئة).
الجواب: صحيح
تحديد الالتباس
1. توجد طريقة بسيطة ومباشرة لتحديد إذا سبب عامل خطر معيّن التباساً، وذلك بمقارنة المقياس المقدر للترابط قبل وبعد ضبط الالتباس، وبعبارة أخرى حساب مقياس التّرابط قبل وبعد ضبط عامل الالتباس المحتمل. إذا عادَلَ الفرق بين المقياسين 10٪ أو أكثر فهناك التباس، وإذا كان أقل من 10٪ فالتباس -إن وُجد- قليل. سيتم تناول كيفية القيام بذلك بمزيد من التفصيل أدناه.
2. سيحدّد باحثون آخرون ما إذا كان متغيّر الالتباس المحتمل مرتبطًا بالتعرّض المدروس وما إذا كان مرتبطًا بالنتيجة المدروسة. إذا كانت هناك علاقة ذات أهمية سريريّة بين المتغيِّر وعامل الخطر وبين المتغيِّر والنتيجة (بغض النظر عمّا إذا أظهرت هذه العلاقة أهمية إحصائية)، فيعتبر المُتغيّر عامل التباس.
3. يقوم باحثون آخرون باختبارات رسمية على الفرضية لتقييم ما إذا كان المتغير مرتبطًا بالتعرّض المدروس وبالنتيجة.
آثار الالتباس·
- قد يفسّر الترابط الظاهر كلّه أو جزءاً منه.
- · قد يسبّب مبالغةً في تقدير الترابط الحقيقيّ (التباس إيجابي) أو تقليلاً منه (التباس سلبي).
يمكن قياس حجم الالتباس من خلال حساب النسبة المئوية للفرق بين مقاييس التأثير الخام والمضبوطة.
هناك طريقتان مختلفتان بعض الشيء يستخدمهما الباحثون لحساب ذلك، كما هو موضح أدناه.
تُحسب النّسبة المئوية للفرق عن طريق حساب الفرق بين قيمة البداية وقيمة النهاية ثم قسمته على قيمة البداية؛ ويعتبر العديد من الباحثين أن المقياس الخام للترابط يُمثّل “قيمة البداية”.
الطريقة المفضّلة بين علماء الإحصاء الحيوي:
يرى باحثون آخرون أنّ مقياس الترابط المضبوط هو الذي يُمثّل قيمة البداية، لأنّه أقل التباساً من المقياس الخام.
الطريقة المفضّلة بين علماء الوبائيّات:
في حين أنّ الطريقتين أعلاه تختلفان اختلافًا طفيفًا، إلّا أنهما تعطيان بشكل عام نتائج مماثلة وتوفّران طريقة معقولة لتقييم حجم الالتباس.
لاحظ أيضًا أن قيمة الالتباس يمكن أن تكون إيجابيّة أو سلبيّة.
سؤال: اكتشف أنّ خطر حدوث سرطان الرئة لدى المدخنين أعلى بعشر مرّات منه لدى غير المدخنين في أريزونا، وقد اشتبه الباحثون بوجود التباس بتنقيب الأسبستوز نظراً لأن أريزونا تحتوي على ما يزيد عن 103 مواقع طبيعيّة للأسبستوز وعدة مناجم. عندما ضبط الباحثون الالتباس ذاك، وجدوا أن خطر حدوث السرطان لدى المدخنين كان أعلى بسبع مرّات فقط منه لدى غير المدخنين.
ما هو حجم الالتباس في هذه الدراسة، وهل كانت العلاقة بين التدخين وسرطان الرئة ملتبسة حقاً بالتعرض للأسبستوز؟
a) أظهر التنقيب عن الأسبستوز العلاقة بين التدخين وسرطان الرئة أعلى بـ43% مما كانت عليه حقّاً، وكان الالتباس موجوداً، لأن فرق النسبة المئويّة بين المعدّل الخام والمضبوط لمقاييس الخطر كان أكثر من 10%
b) أظهر التنقيب عن الأسبستوز العلاقة بين التدخين وسرطان الرئة أقل بـ10% مما كانت عليه حقّاً، وكان الالتباس موجوداً، لأن فرق النسبة المئويّة بين المعدّل الخام والمضبوط لمقاييس الخطر كان أكثر من 10%.
c) أظهر التنقيب عن الأسبستوز العلاقة بين التدخين وسرطان الرئة أقل بـ43% مما كانت عليه حقّاً، وكان الالتباس موجوداً، لأن فرق النسبة المئويّة بين المعدّل الخام والمضبوط لمقاييس الخطر كان أكثر من 10%.
d) أظهر التنقيب عن الأسبستوز العلاقة بين التدخين وسرطان الرئة أعلى بـ42% مما كانت عليه حقّاً، وكان الالتباس موجوداً لأن فرق النسبة المئويّة بين المعدّل الخام والمضبوط لمقاييس الخطر كان أكثر من 10%
كانت نسبة الخطر المضبوطة (RR)=7، وبالتالي حجم الالتباس (10-7)\7=42% وهذا أكثر بكثير من 10%؛ لذلك هناك دليل على الالتباس.
الجواب: d
المساهمون:
ترجمة: د. عفراء بغداد
تدقيق: د. هيا محمّد خير
المصدر: Boston University Educational Course