مدونة ميد

طب الأسرة.. تجربة سوريا وإضاءة على تجارب بلدان أخرى!

تعتبر الأسرة أول وأهم عامل في إنشاء وإعادة تشكيل صحة الأفراد على جميع الجوانب، وانطلاقا من الدور الحاسم للأسرة في الصحة العامة، كان هناك تركيز ملحوظ من قبل السلطات الصحية في العالم بأسره لاعتماد “طب الأسرة” كأول واجهة صحية للتفاعل مع صحة الأسرة.

* طب الأسرة هو تخصص طبي مخصص للرعاية الصحية الشاملة للأشخاص من جميع الأعمار؛ يدعى الطبيب المختص في هذا المجال باسم طبيب أسرة، وتتمثل إحدى مسؤولياته في توفير رعاية صحية مستمرة وشاملة للفرد والأسرة في جميع الأعمار والأجناس والأمراض وأجزاء الجسم؛ وغالبا ما يكون أطباء الأسرة أطباء الرعاية الأولية، ويعتمدون في عملهم على معرفة المريض في سياق الأسرة والمجتمع، من خلال التركيز على الوقاية من الأمراض وتعزيز الصحة.

برنامج طب الأسرة في سوريا

يعتبر برنامج صحة الأسرة حديث العهد في سوريا ويماثل في هدفه ما تعمل عليه البرامج الشبيهة في البدان الأخرى من تطوير النظام الصحي المتكامل للخدمات المقدمة وفقًا لآلية متجانسة بين مستويات الرعاية الصحية من أجل تقديم خدمات عالية الجودة لأكبر عدد ممكن من شرائح المجتمع المختلفة.

بعد فحص واقع الخدمات الصحية الحالية، تبين أن النظام الصحي الحالي في حاجة ماسة لتحسين جودة الخدمات، سواء على مستوى المستشفيات أو الرعاية الصحية الأولية أو حتى على مستوى ربطها معاً، وقد وجد أيضًا أن هناك العديد من المشكلات والصعوبات التي قد يصعب حلها في فترة قصيرة، خاصةً فيما يتعلق بالتشريعات الصحية والمناهج التدريبية التي تحتاج إلى تعديل جذري.

لذا وُضِعت خطة جديدة لبدء المشروع حيث جرى الاتفاق على اختيار المحافظات والمناطق السورية التي ترى نفسها قادرة على تحقيق هذه القفزة النوعية لتحقق امتداداً تدريجياً للتنمية خلال السنوات الخمس القادمة، مما قد يؤدي إلى عبء ثقيل نوعاً ما (المواد والموارد البشرية واللوجستيات الأساسية).

الأهداف الخاصة:

  • تفعيل مفهوم وآلية صحة الأسرة في جميع المحافظات المختارة
  • تأهيل وتدريب عاملين مختصين على تقديم خدمات الرعاية الصحية أفقيا ضمن مفهوم صحة الأسرة على الإطلاق.
  • المساهمة في تطوير قطاع الخدمات الصحية في الجمهورية العربية السورية من خلال تفعيل مفهوم صحة الأسرة.

نحتاج إلى نظام معلومات فعال ومتكامل وموحد لجميع الخدمات الصحية في المحافظات المختارة التي تقدم خدمات كاملة، وتطوير البنية التحتية والخدمات الصحية التنظيمية ضمن مفهوم صحة الأسرة تدريجياً بنسبة 50 ٪ للمحافظات المختارة وبنسبة 10 ٪ – 20 ٪ ل محافظات أخرى. والعمل على تحقيق منظور ورؤية واضحة لمفهوم صحة الأسرة في 80٪ من العاملين الصحيين، و 50٪ من المجتمع في المحافظات المختارة، و 40٪ من العاملين الصحيين و 25٪ من المجتمع في المحافظات الأخرى بحلول نهاية عام 2015.

الوضع الحالي لطب الأسرة في سوريا:

– أنشئ برنامج طب الأسرة في وزارة الصحة في سوريا عام 1990 بالتعاون مع منظمة الصحة العالمية، وهو أحد البرامج الرائدة في العالم العربي من حيث تغطيته لجميع المحافظات والمناطق ويتصف بما يلي:

– تفتقر العديد من المحافظات إلى أي اختصاص في طب الأسرة بسبب سفرها إلى الخارج.

– معظم الخريجين خارج سوريا بسبب الطلب الخارجي الكبير والافتقار إلى طب الأسرة

– تضمن وزارة الصحة أن يعمل أطباء الأسرة بعد التخرج مباشرة، كما تضمن لهم فرصة التدريب الطبي المستمر.

– خرَّجت الجامعات السورية أطباء اختصاصيين في طب الأسرة وقدمت لهم تدريباً مكثفاً في برامج الرعاية الصحية الأولية داخل المرافق الصحية التابعة لوزارة الصحة.

– ترجع أسباب عدم الارتباط بطب الأسرة بشكل عام إلى السببين التاليين، وهما الجهل فوائد طب الأسرة لكل من الأطباء والمواطنين وأولئك الذين سيستفيدون من هذا التخصص، وضعف العوائد المالية لطب الأسرة مقارنة ببعض التخصصات الأخرى.

أولاً: الهدف العملي

 طبيب أسرة واحد على الأقل لكل مركز صحي، حضري أو ريفي، بحلول عام 2020

ثانياً: الغاية الموضوعية من طب الأسرة:

ينبغي أن يقدم أخصائيو طب الأسرة الرعاية الصحية الأولية في الجمهورية العربية السورية، وأن يقدموا خدمات التأمين الصحي في الجمهورية العربية السورية، والاستخدام الرشيد والعادل للموارد المادية والبشرية والعلمية والمالية، من أجل صحة جميع المواطنين.

ثالثاً: برنامج سياسة الأسرة في وزارة الصحة

 يعتمد البرنامج على إعطاء الأولوية لبرامج إعادة التأهيل والتدريب وبرامج الرعاية الصحية الأولية للأطباء المقيمين وأخصائيي طب الأسرة، وتحديد المسؤولية الأساسية في تطبيق التأمين الصحي على أطباء الأسرة، والتأكيد على تدريب الأطباء على اكتساب معرفة جيدة، وسلوك إيجابي ومهارات مناسبة خلال رعاية المرضى.

رابعاً: استراتيجيات برنامج طب الأسرة بوزارة الصحة:

تقوم هذه الاستراتيجيات على التعاون بين برنامج طب الأسرة في وزارة الصحة والهيئات المسؤولة عن التأمين الصحي، وخاصة منظمة الصحة العالمية والاتحاد الأوروبي وبرامج طب الأسرة في الدول الشقيقة والصديقة. كما تعمد من جهة أخرى إلى التعاون مع المجلس العربي للتخصصات الطبية “المجلس العلمي لأخصائيي طب الأسرة والمجتمع”، وتوظيف جميع خريجي طب الأسرة الحاليين وتطوير مهاراتهم التدريبية في مجال طب الأسرة، وأخيراً وليس آخراً “التبشير” الإعلامي لطب الأسرة باعتباره أفضل وسيلة لتحقيق الرعاية الأولية لسكان سوريا.

الأهداف :

  • قبول ما لا يقل عن 10 ٪ من إجمالي عدد المتقدمين وذلك للاختصاص لصالح طب الأسرة.
  • زيادة معدل القبول السنوي بنسبة لا تقل عن 3 ٪ سنويا ليصل إلى 35 ٪ من إجمالي عدد المتقدمين بحلول عام 2020.
  • تدريب 14 طبيب أسرة متخصصين في مهارات التدريب وتقنيات التدريس كل عام.
  • تحديد وتجهيز مركز واحد على الأقل للتدريب على مهارات اختصاص طب الأسرة في كل محافظة بحلول عام 2020.
  • تغطية جميع مراكز التدريب الصحي بأربعة أطباء على الأقل بحلول عام 2020

يقدم برنامج طب الأسرة:

  • زيادة النسبة المئوية السنوية لخريجي طب الأسرة مقارنة مع العدد الإجمالي لجميع التخصصات بنسبة 3 ٪ سنويا.
  • زيادة عدد الأطباء المقيمين في امتحانات السنة الأولى والثانية بنسبة 3 ٪ سنويا.
  • وجود طبيب متخصص واحد على الأقل في كل محافظة في مجال طب الأسرة، يتقن مهارات التدريب والتدريس في مجال طب الأسرة.
  • يوجد مركز تدريب صحي واحد على الأقل في كل محافظة.
  • يوجد طبيبان على الأقل في كل مركز تدريب
  • تنفيذ خطة العمل مع منظمة الصحة العالمية، والتي تشمل الدورات التدريبية المحلية والخارجية، وتأليف وطباعة الكتب والدوريات والمؤتمرات العلمية والزيارات الإشرافية لفروع برنامج طب الأسرة في المحافظات.

تجارب طب الأسرة في البلدان المتقدمة الأخرى

قد تكون الرعاية الأولية في المملكة المتحدة واحدة من أفضل أنظمة الرعاية الأولية في العالم. نظام المملكة المتحدة هو نظام ممول من القطاع العام يوفر الرعاية الصحية مجانًا لسكان المملكة المتحدة من خلال خدمات الرعاية الصحية الوطنية National Healthcare Services NHS. يعتمد نظام الرعاية الأولية على الأطباء الممارسين العامين الذين يقومون بدور نقطة الاتصال الأساسية للمرضى في المملكة المتحدة، ويعمل الممارسون العامون في المملكة المتحدة أيضًا كمنظمين وموجهين يقومون بتنسيق إحالة المرضى من المستوى الأولي إلى المستوى الثانوي للرعاية. على سبيل المثال، يقوم المريض الذي يعاني من مشكلة في الركبة في المملكة المتحدة بزيارة طبيبه العام أولاً ثم يحيله طبيبه إلى أخصائي إذا كانت هناك حاجة سريرية لذلك. وتقوم الحكومة بتعويض النقص وتحديد الحاجة من الأطباء العامين من قبل خدمات الرعاية الصحية الوطنية NHS وفقًا لعدد المرضى المسجلين معهم. من ناحية أخرى، يتمتع المريض في المملكة المتحدة بحرية الاختيار للتسجيل لدى الطبيب العام الذي يريده. تراقب خدمات الرعاية الصحية الوطنية أداء الممارسين العامين من خلال عدد من المقاييس بما في ذلك نتائج الرعاية الصحية لمرضاهم وتقدم الحوافز وفقًا لذلك.

إحدى الدول التي تعمل حاليًا على الابتكار مع خدمات الرعاية الأولية لديها هي أوكرانيا، فقد ورثت أوكرانيا نظام رعاية صحية بعد السوفييت. إنهم يعتمدون حاليًا نظامًا مشابهًا لنظام المملكة المتحدة، حيث ينتقل الممارسون الأساسيون من موظفين حكوميين إلى متعاقدين مع الحكومة يتلقون رواتبهم وفقًا لعدد المرضى الذين يسجلون معهم، وفي هذا النظام، يتمتع المرضى أيضًا بحرية تغيير ممارس الرعاية الأولية عندما يرغبون في ذلك، إلا أن عدد المرضى الذي يمكن لكل طبيب أن يعمل معهم محدود، ويختلف هذا العدد المحدد بين المملكة المتحدة وأوكرانيا. أعتقد أن هذا النموذج من التمويل يحسن المنافسة بين مقدمي الخدمات ويؤدي إلى تحسين جودة الرعاية. تم تطبيق هذا النموذج الناجح في العديد من البلدان خارج المملكة المتحدة وأوكرانيا وقد يكون نموذجًا مناسبًا للتطبيق في المنطقة العربية وسوريا.

إعداد :

د. ديمه الحكواتي

د. أليكسي يوسف

تحرير:

د. مريانا حيدر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى